منذ اللحظة التي ترزق فيها بطفل, وبدون أن تسعى لذلك تبدأ حياتك بالدوران حول صغارك,, وبين كل ذلك تتساءل أحيانا لما ابن فلان مؤدب أكثر من ابني, ولما بنت فلانة هادئة منذ اليوم الأول من عمرها بعكس ابنتي “اللي طلعت لي قرون”
التربية مرهقة بلا شك, ومن يقول غير ذلك فربما يعيش في عالم مثالي جدا لم نراه بعد.
لكن لدي سؤال هنا أود أن تطرحه على نفسك..هل ستظل تتحسر على نفسك لأنك “تظن أن الله رزق فلان طفل مؤدب بينما رزقك طفل “مشاغب”؟ وضعت كلمة “تظن” هنا بين قوسين للتأكيد أن الطفل لا يولد مؤدبا ومليون خط تحت كلمة “مؤدب”.
اسأل نفسك سؤالا آخر بما أنك متأكد أن هناك أطفال يولدون “مؤدبين” ..هل ستنتظر أن يأتيك هذا الطفل المؤدب بمقاييسك إلى أن يأتي؟
طيب لنفرض جدلا أنك بالفعل رزقت بطفل مؤدب من يومه الأول,,هل ستجلس مرتاحا “وتحط رجل على رجل”..بدون أن توجهه وتوجه سلوكياته بالطريقة الأفضل؟
هل نحن أمام بضاعة ننتظر وصولها من المصنع بصفات معينة ونتأكد بعدها من جودتها ومن ثم نقيمها منذ اللحظة الأولى؟ أم أننا أمام انسان اخترنا أن نجلبه للدنيا ومن ثم نرسم توقعات معنية عنه “وله” منذ يومه الأول لكي نشعر بالراحة النفسية..
سأشارككم مثالين لتوضح النقطة..
محمد عمره خمس سنوات, خلال السنتين الأولى من عمره كان هادئا جدا, تقول أمه أنه لم يكن يتعبها أبدا, كان نومه وأكله جيدان, وأينما تضعه فإنه يجلس بمكانه ولا يخرب الأشياء حوله, كانت تقول أنها لم تشعر بأن بالبيت طفل صغير من هدوءه.
كبر محمد في بيت كبير وحوله والديه وأعمامه والجد والجدة وابناء الأعمام. الأم والأب دائما مشغولين بالعمل وكسب العيش..فكان معظم وقت محمد مع جديه وأبناء أعمامه.
كانت لعبة أولاد أعمام محمد المفضلة هي رمي الحجارة على عمال يعملون بمزرعة مجاورة. ومن ثم الهرب والعودة للبيت. وبعدها تبدأ لحظات متواصلة من الفوضى بالبيت ومن ثم مشاعدة التلفزيون طوال اليوم.
كبر محمد وصار يرافق أبناء أعمامه..وبدأ في تقليدهم , لحقهم العمال في يوم من الأيام واشتكوهم للجد والذي بدوره لم يصدق العمال ولم يتأكد من السلوك ولم يقم بأي خطوة للتغيير.
الوقت الذي يتواجد فيه والدي محمد هو المساء, لكنهم بالعادة مشغولين بأمور مختلفة, والتواصل الوحيد الذي يحصل بينهم وبين محمد هو بالتأكد من اكله وتغيير ثيابه.
سؤالي لكم: هل سيظل محمد ذلك الطفل المؤدب الذي تذكره أمه؟ أم أن البيئة حوله الأن هي ما تحدد سلوكياته؟
مثال الآخر لبنت تدعى سلمى تقول عنها أمها أنها كانت حركية جدا منذ أن بدأت تمشي. تسحب الأسلاك وتدخل المطبخ وترمي الخضروات وياما كسرت أكواب وصحون. وترمي الثياب بالأرض وكثيرا ما عضت اطفال الضيوف بحيث سببت قلقا دائما لوالديها.
أم وأبو سلمى بدأوا بالبحث والقراءة عن الأطفال بهذا العمر, وسألوا بعض المختصين. وقضوا وقتا بناءً مع سلمى قسموه بينهم.وعززوا لها كل مرة سلوكها ليصبح أفضل بالابتسام والتصفيق والتشجيع. واصروا على توجيهها كلما جاء الضيوف مع طفل لتقبيله بدلا من عضه.
وكلما رأتها أمها منطلقة للمطبخ اعطتها صحون بلاستيكية واحيانا الصلصال ولعبت معها لتشغلها وتسليها.وتعلمت اغاني اطفال وصارت تغني معها بالمشاوير الطويلة وتاخذ لها قصصا.
هل تتوقعون أن سلمى ستظل مثلما هي؟ أم أن البيئة المحفزة هنا ستساهم بتغيير سلوكياتها للأفضل؟
لا يمكن أن ننظر لرغبة الطفل في البحث والاستكشاف بشكل سلبي..كل ما علينا فعله هو توجيه السلوكيات والطاقات بشكل بناء وصحيح.
“لا تتركوا الأمور للصدفة,,صدفة أن يولد طفلي مؤدبا,,أو يولد طفلي سهلا,,طريقة التفكير هذه لا تنفعك..والأكيد أنها لا تنفع طفلك”..ابدأوا منذ اليوم الأول بالنظر للموضوع بايجابية والسعي بجهد”
ولا تنظر للوقت الذي تقضيه مع الطفل كواجب ثقيل عليك..بل كوقت مسل ثمين ستجد اثره الجميل كل يوم وعلى المدى البعيد بدون شك..
الوقت الذي تقضيه مع طفلك لا يقارن مع وقت التنظيف أو الطبخ أو متابعة برنامج لا يضيف إليك شيئا..
الكثير يكرر جملا مثل “طفلي متعب”, “طفلي غير عن طفلك” ليشعروك ان الطفل عبارة عن كتلة من المشاكل.
بينما يسهل توجيه الطفل خاصة إذا بدأنا منذ سن الرضاعة..طفلك ليس دمية تريدها بهيئة وسلوك معين بدون أن تبذل مجهودا عليه.. من الطبيعي جدا أن يستكشف ويبحث لأنه بذلك يتعلم ويتطور..ودورك كمرب هو مساعدته على ذلك.
ابتسام