كان ياما كان

“ماما كملي لنا قصة الرجل اللي سافر بالمنطاد من إيطاليا لليبيا” كانت جملة أثيلة أول ما ركبت السيارة وتحركنا من المدرسة. تذكرت عندها وفي وقت ما حماسنا وإحنا صغار عندما يجلس أحد كبار السن ويحكي لنا قصة ما,,قد تكون قصة عن زمانه وشبابه,, وربما عن شظف العيش وهو صغير, أو عن تنقلاتهم القديمة على “حمارة أو ناقة”,,وتذكرت تظاهرنا بالشجاعة بينما يكاد القلب ينخلع من مكانه خوفاً عندما نستمع لقصص الجن المخيفة,, كانت تكثر تلك القصص عندما تنقطع الكهرباء.. ونجلس جميعنا حول شمعة بظلها الراقص..وتكثر المبالغات لعل صاحب القصة الأكثر رعباً ينال حظوة ومكانة عند باقي الصغار..

السرد القصصي كان منتشراً في وقت ما,, وقت لم يكن للتلفزيون وجود كبير والأهم لم نتخيل يوما اختراعاً يقودنا للصمت ..وهو عالم الإعلام الإجتماعي بكل ما فيه… لا أقصد بأنه سيء ككل. لكن سرقته للحظات الحكاوي الشعبية والجلسات الدافئة سيء بالتأكيد. ما يحدث الأن هو أننا نسعى بجهد لقطع جزء من وقتنا لسرد قصة ما لأطفالنا..وننادي حتى يبح الصوت لنجتمع على طاولة الغداء بدون أجهزتنا الحديثة لنتمكن من معرفة أخبار بعضنا البعض..

القصص المروية على لسان كبار السن ثقافة متوارثة في كل مجتمع..من الشرق للغرب..وهي التي توارثناها لنضيفها إلى علم التاريخ أو الإنسان, لنفهم ظروفهم وأحلامهم وحكاويهم الصغيرة التي تعكس حياتهم اليومية بكل ما فيها من أسى وجمال. لكنها أيضا وسيلة تواصل ممتازة بين الأفراد,, بالإضافة إلى أنها طريقة لإيصال حكمة ما وربما نصيحة تفضل أن ترويها كحكاية بدلا من مواعظ طويلة لا تجد لها أذناً صاغية في أغلب الأحوال.

فحتى برنامج عالمي مؤثر مثل تيد TED ادرك أن القصة المحكية على لسان الملهمين هي ما تشكل فرقاً عند المستمعين. لذا عندما قرأت قصة أضحكتني حتى دمعت عيناي لم أعطي أولادي الهاتف ليقرأوها بالمقابل.. فكرت في نفسي لما لا أسردها في رحلات الطريق التي تتخللها بالعادة الكثير من لحظات الملل والشجارات.. فعندها يمكن أن تكون أكثر من مجرد رحلة مملة..رحلة قصص ممتعة ومفيدة وفرصة لتطوير روابطنا الأسرية ..