الأمومة · التربية الإيجابية

بيتٌ هو أم معسكر عقاب: العلاقة بين الأمهات وبناتهن في مجتمعاتنا.

76091C14-7227-4362-B769-CA12EF6AC8DE

لا أدري متى بالضبط بدأت نظرتنا نحو المرأة تتغير من كونها إنسان إلى “شيء” أو”شخص مريب”.. وأقصد بالشيء هنا هو التشيئ باعتبارها غرض يجب الإلتفاف حوله بحذر وتوجس , هذه النظرة تأتي معلنة وبكل ثقة أن المرأة لا تحسن التصرف ولا تستخدم “عقلها” أو ربما يفتقر عقلها للقدرة على حسن التصرف. أو النظر للمرأة كشيء له مدة صلاحية معينة وقيمة معينة. والأدهى النظر إليها بشك وريبة لأنها “مثلما يرى الكثيرون” مصدر للشر. نظرات الريبة هذه ترتبط بجملتي الأولى عندما قلت أنها “شيء”, بمعنى تعامل كمخلوق لا يعتمد عليه. وكإمرأة وكمهتمة بمجال التربية الإيجابية فأرى أنه يحق لي بأن اتحدث عن نقطة مهمة جدا ألا وهي نظرتنا لبناتنا.

سأدخل في صلب الموضوع , ألا وهو علاقة الأمهات ببناتهن”تحديدا” وفي مجتمعاتنا. تلك العلاقة المشوبة بالكثير من الشد والجذب, والمليئة بالحذر والتحذير. وقبل أن أكمل كلامي, أتمنى لمن يرى أن هذه الكلمات مزعجة بأن يتجاهلها, لست بصدد توجيه الإتهامات ولستُ “بالمقابل” مستعدة لإستقبال أي إتهام. فحديثي هنا عن شيء يحدث كثيرا بمجتمعاتنا وما أنا إلا أمٍ تحاول تسليط الضوء على ما قد يساعد بناتي في كل مكان ،وتفكيكه بقدر الإستطاع.

الأم تلك التي كانت بنتاً صغيرة في يوم من الأيام,, كبرت وهي محاطة بالكثير من التوجس, ومحاطة بحدود مرسومة , هذه الحدود قد تبدو في الخارج بما في مصلحتها لكنها تميل بالأساس لرؤيتها كشخص “عدواني” أو “قابل للإنحراف”. ولا يخفينا ذلك عندما نسمع جملا مثل “المرأة عدوة للمرأة” لتبرير نظرات الريبة والشكوك, أو المثل المصري الذي يقول “اكسر للبنت ضلع يطلع لها اثنين” بمعنى كن قاسياً في معاملتك لها لكي لا “تتمرد” أو تثور الخ. قد ننكر في أعماقنا أننا نؤمن ولو قليلا بكل هذا, وقد نبرر أن كل ذلك صحيح ومن ثم نأتي بالأمثلة والتي تثبت حقيقة ذلك بما لا يقبل الشك.

إذاً الحدود التي تُرسم حول بناتنا ليس هدفها بالأساس إشعارها بالأمان وتربيتها بحب بقدر ما أنها تهدف إلى معاملتها بصرامة كي لا تحيد عن الصواب. هذه الحدود تبدأ منذ اليوم الأول من عمرها عن طريق ارسال رسالة لبناتنا مفادها: أنتِ لستِ أهلا للثقة, فلن نمنحها لك. فلن يفيد محاولاتك الجادة في إثبات غير ذلك. وكل سلوك صادر منك هو تحذير مستقبلي لنا بما يمكن أن يصدر منك أو ما يجب أن نحذره. هي حدود “استباقية” يتم وضعها “احتياطاً”. حدود وضعت منذ يومك الأول لتقول: لن نراك كشخص له حقوق وعليه واجبات بقدر ما نراك كشخص مريب.

تتحدث “آرا” عن هذه العلاقة في مقالها : The Strained Relationship Between Black Mothers And Their Daughters تتحدث عن علاقة مشابهة جدا تحدث عند الأمهات بمجتمع السود. تقول : “تحرص أمي في حياتي على توفير احتياجاتي, وعلى أن أكون ضمن الحدود التي رسمتها لي, وعلى تذكيري دائما بأننا “لسنا صديقات””. هذا بالضبط ما يحدث عند بناتنا وفي مجتمعنا أيضا.

نحب بناتنا نعم, ونحرص على تذكيرهن وبكل مناسبة بأننا نحبهن وكل ما نقوم به لمصلحتهن. لكن طريقتنا في إظهار هذا الحب غريبة جدا. نرى بأن ربطهن بكل تلك السلاسل حب, ونرى بأن تذكيرهن بأنهن عبء بطريقة أو بأخرى حب. لن نقولها بصريح العبارة بالتأكيد. لكننا نسعى وبكل جهد لإغراقهن بمحاضرات لا نهاية لها لننهيها بكلمات مثل: لأنني أخاف عليك, لأن سمعتنا قائمة عليك, لأنك فتاة بالغة .. لأنك امرأة الخ الخ. هذه المحاضرات الطويلة لا تحتوي غالبا على كلمات نابعة عن ثقة واحترام وتقدير وامتنان. بل تحتوي على الكثير من التوجس والتحذير وقد يتخللها التهديد أيضا.

نحن لا نحذرهن من نفسهن “الأمارة بالسوء” فقط, لكننا نحذرهن أيضا من “باقي الفتيات” ومن “النساء عامة ومن مساوئهن”.. قد نحذرهن بقصص مخيفة عن كون النساء كائنات ميالات للغدر والخيانة والفساد. وربما هشات قابلات للضياع. ونحذرهن من عداوة بعض النساء وشرهن الخ. نعمل وبجهد على “شيطنة” جنسنا ونؤمن أنه بدافع الحب. هذا الموضوع له تاريخ طويل في المجتمعات الأبوية لكني لن أخوض في هذه التفاصيل هنا.

نسعى وبكل جهد لبناء علاقة سامة مليئة بالمشاعر السلبية المحبطة معهن, ونحرص على أن تمتلئ حياتهن بصداقات سامة. سامة لأنها مشوبة بالتوجس من بنات جنسهن..مليئة بنظرات الشك والريبة. فتكبر الفتاة وهي تعجز من أن تثق بنفسها أو أن تثق بك أنت: أمها. وذلك لأنك حرصت على أن تراك بقالب الواعظ المشكك فيها. الأم التي قد تخذلها بأي لحظة لأنها شخص لا يمكن الثقة بخياراته. الأم التي رفضت بأن تربيها بحب وبأن تكسب صداقتها والذي ستكون أفضل بمراحل من السلاسل التي ربطتها بها.

تحرص الأم عندنا على التحذير من المجهول, ذلك المجهول الذي كبرت وهي تخشاه وتتوجس منه. ذلك المجهول الذي صنعته بدافع الخوف على بنات جنسها والخوف منهن. لا تعرفه بالضبط لذا من الإحتياط أن ترسم حدود عنيفة مرعبة لتحرص على ترك ندوب غائرة في بناتها لكي لا يتجرأن يوما على نسيانها والعيش بعفوية. ولكي يتذكرنها دائما ويحرصن على استمرارية دائرة العلاقات السامة بين النساء. هذا المجهول الذي اقنع تلك الأم وبدون وعي منها بأنها “شيء” لا يعتمد عليه بدلا من أن تؤسس علاقة صحية قائمة على الثقة وحسن النوايا.

كيف هي نظرتكِ للنساء؟ وما هو أسلوبكِ في تربية بناتك؟

6 رأي حول “بيتٌ هو أم معسكر عقاب: العلاقة بين الأمهات وبناتهن في مجتمعاتنا.

  1. يسعد مساكي ابتسام
    الموضوع كتييير جميل وحأكتب تعليقي عليه ولكن بأفكار متفرقة غير مرتبة
    سامحي عشوائيتها 🌺
    الانثى فعلا اكبر عدوة لنفسها ولبنات جنسها.. ما زلنا لوقتنا الحالي نفضل الذكور بكل اخطائهم عن النساء.. نبرر لهم اكبر الاخطاء ولا نبرر للمرأة اصغر ردة فعل
    انا بقول للمربيات يملأوا حياة بناتن بالحب والثقة.. انو يشبعوهم حب.. يغرقوهم حب وثقة بالنفس.. البنت اللي ناقصها حب وثقة داخل بيتها وين بدها تلاقيه؟؟ عند الزوج؟؟ بالعمل؟؟ الحياة كتير قاسية خلينا نكون احن مع بناتنا لانهم وقت يكبروا حيواجهوا مسؤوليات كبيرة وصعبة وحياة مالها سهلة ابدا
    البنت من حقها تعيش حياتها بسعادة.. اليوم بالذات كانت صديقة الي بعمر ٣٩ عم تحكي معي عن تأجيل دراستها الجامعية للمرة المليون.. بسبب اعذار واهية.. بسبب اتكال والدتها عليها واختها في اعمال المنزل.. البنت غير متزوجة.. ليس لها مستقبل او وارد مالي تستطيع العيش منه.. ليش؟؟ لان اهلها بيخافوا عليها تطلع تدرس او تشتغل.. مع انها من خيرة البنات.. حراااااام
    انا بناتي لساتن صغار.. بحاول حبهم بوسع الكون واعطيهم كل الحب والحنية ويارب ضل العمر كلو معهم هيك لان الانسان رب العالمين ما خلقه ليعذبه.. خلقه ليعمر الارض بسعادة وليس بحزن
    اما عن نظرتي الشخصية للنساء.. فما عم تتحسن كتير 😂 لسه فيه كتير نساء بيفضلوا الفراغ والدلال والتنظير على غيرهم.. عم ينتشر وعي اكتر من اول.. بس مو بالقدر المطلوب لتغيير مجتمعاتنا وتغيير طرق التربية وبالاخص اللي بتفرق بين الذكر والانثى
    ما عاد في ببالي افكار لان بناتي عم يغنوا مع دييغو بالتلفزيون.. بالليل او بكرة الصبح برجع بقرا كلامك على رواق واذا فيه افكار تانية بكتبها
    شكرا ابتسام الجميلة على افكارك ومناقشاتك وحبك لنشر الوعي 🌺🌺😍😍💖😚😚

    إعجاب

    1. ميساء دائما مبدعة في تحليلاتك ..اتفق معك .. اللي ذكرتيه موجود ومؤلم ..ويضعنا في خانة تؤكد على وجود عقبات كثير تضاف إلى قائمة الشكوك والظنون اللي تحاصرنا وتمنعنا حتى عن العيش حياة طبيعية في ابسط التفاصيل .
      ولو إني اختلف في أن سببه هو بالفعل كون ‘المرأة عدوة المرأة’ هذي لها عمق أكبر ولها علاقة بالمجتمعات الأبوية/الذكورية.صار فيها قمع أو لنقل تحكم ممنهج للمرأة ‘تختلف شدتها من مكان لآخر’ ومن بين آثارها هو إظهارها مشخص عدواني مخيف لا يمكن الوثوق به. لذا هي ليست عدوة المرأة بل هي مبرمجة لتظن ذلك وتعاد مثل هذه الجمل لتؤمن بها وتتعامل من هالمنطلق.معظم ما يدار بالعالم هو بإدارة ‘ذكوريّة’ سواء حروب أو غيرها.هل رأيتي من يقول بأن الرجل عدو الرجل؟ لأ لذا فكرة كون المرأة عدوة المرأة لا اتفق معها 🤷🏽‍♀️

      إعجاب

      1. اكيد بوافقك الرأي ابتسام ان سيطرة الذكور على مدى التاريخ ولهلق خلتهم يحطوا قوانين واعراف وقواعد يحدوا من حريتها ويمنعوا استقلاليتها.. بس اللي قصدتوا ان بعض النساء بدل ما يدعموا بعضهم البعض بالعكس بيحاولوا يدمروا نفسيات بعضهم بقصد او بغير قصد.. هاد اللي قصدتوا بس..
        شكرا لك ولفتح باب الحوار

        إعجاب

  2. العجيب والمريب ان الام تعاني من سوء معاملة والدتها لها وترى من حقها معامله افضل ، لكن عندما تصبح هي ام تطبق كل ماتم تطبيقه عليها وكانها مؤمنه بصحته و ان هذا مامنعها من الفساد والضياع !!!

    إعجاب

    1. بالضبط لأنها لا تجهل أي أسلوب آخر فالشخص ميال لتكرار ما تربى عليه وكأنه مغروس في عقله اللا واعي..إلا في حال صار واعي

      إعجاب

أضف تعليق