التربية الإيجابية · الطفولة

ًعندما نعاقب أطفالنا لكونهم أطفالا

قد تكون صادفت موقفا وأنت طفل صغير جعلك تفكر وتعيد التفكير المرة تلو المرة بدون أن تفهم : لماذا واجهت بسببه العقاب؟..أو لماذا نلت عقاباً قاسياً لهذه الدرجة؟. وقد يأتي إليك ابنك بعد عقاب أوقعته عليه ويصرخ فيك قائلا: هذا ظلم..
ربما يبالغ ابنك عندما يقول لك بأن ما فعلته “ظلم” …ربما يمارس أبناؤنا بعض “الدراما” أحيانا ليتهربوا من تحمل مسؤولية أفعالهم ونتائجها..لا أعلم.. فموضوع العقاب شائك..ولا ننكر بأن هناك شكوك تراودنا وقلق يصيبنا والكثير الكثير من التفكير الذي يصاحبنا في رحلة التربية..بالذات فيما يتعلق بالتوجيه..والعقاب.
عندما تسأل أحدهم لماذا تعاقب أبنائك؟ فالرد المتوقع هو لكي أعلمهم “الصح” من “الخطأ”.. فالعقاب نابع من خوف على ما قد يحل بهم إن لم يفهموا “الصح” من “الخطأ” ومنذ وقت مبكر. فقد تجد تلك الأم التي تسرع بضرب يد ابنها لأنه أمسك “سلكا كهربائيا” أو الأب الذي “لقن ابنه درسا” وضربه لأنه رمى حجراً وكسر زجاج السيارة.
ًقد نتخيل سيناريو مخيف يحدث بسبب “عدم عقابنا” لأبنائنا وتلقينهم درساً قاسياً. فقد يحدث إلتماس كهربائي ويضر بالطفل لا قدر الله.. أو قد يرمي ابنك حجرا فيضرب شخصاً آخر به.. فمرة أخرى نحن نعاقب ومثلما نقول “بدافع الخوف”..
ردة فعلنا هنا سريعة…مليئة بالغيظ وبدون تروٍ في التفكير غالباً. نتصرف بسرعة لنضمن بأن الطفل تعلم درسه بسرعة وتألم بحجم الخطأ الذي قام به. ونزداد غيظاً عندما نكرر أنفسنا مراراً وتكراراً وما زال الطفل يكرر نفس الخطأ. فلا هو استفاد من “دروسنا التأديبية” ولا نحن “رضينا”
لذا فكرت بأن أشارككم كم معلومة قد تصحح بعض المفاهيم عن الأبناء.. واحدة تقول بأن الأطفال يتصرفون وفقاً لمشاعرهم معظم الأحيان.. وليس وفقا لتحليل الحقائق ..يعني على الأرحج طفلك يشعر بالإهتمام منك عندما يمسك سلك الكهرباء “وإن كان اهتماما سلبيا” لذا يكرر السلوك مرة. وابنك الذي يرمي الحجارة يشعر بالمتعة عندها ويراها لعبة بنتيجة مبهرة “زجاج مكسور” قبل أن يفكر بأنه سيتعرض لعقاب شديد كنتيجة لذلك..

وهناك معلومة أخرى ألا وهي :”أنهم أطفال”…أطفالٌ يتعلمون بالإستكشاف مرة تلو المرة تلو المرة. على الأرجح لن تتوقف رحلة الاستكشاف هذه إلا بمرورهم بمرحلة العمر تلك ودخولهم لمرحلة أخرى بحيث تنمو عقولهم وتفهم أكثر وتجد المتعة في أنشطة أخرى تلائم تلك المرحلة. فلا يبدو اللعب بالسلك الكهربائي ممتع لطفل بعمر الخمس سنين.. لكن “وربما” يبدو اللعب بالطين أكثر إمتاعا!.

وهناك معلومة أخرى مثيرة للإهتمام أيضاً.. لكنها لا تتعلق بالطفل نفسه بل تتعلق بك أنت…أنت كشخص بالغ تتصرف وفق مشاعرك في كذلك. فبعد أن تعد نفسك بتعديل نظامك الغذائي, تبحث بآخر الليل عن علبة الأيس كريم وتأكل منها متلذذاً وناسياً تماما وعودك لنفسك. تنسى الحقائق التي عدتها لنفسك مرات ومرات عن الصحة والسعرات والكيلوات الزائدة. تقودك لحظتها مشاعرك التي “تحن” للطعم الشهي. وقد تنسى البحث الذي أجلت البدء فيه لأسابيع وتفضل مشاهدة فيلم يشعرك بالسعادة.

ما أقصده هنا هو بأننا نعاقب الطفل على أمر نعجز نحن عن العمل عليه والإلتزام به في الكثير من الأحيان. بل الأسوأ.. نعاقبه لأنه طفل. طفلٌ يتعلم بالشجارات مهارات التفاوض..طفلٌ يتعلم بالعبث بما حوله مهارات الإستكشاف..طفل يبكي ويغضب ليتعلم تنظيم مشاعره .. طفل يرفض  ما نمليه عليه في الكثير من الأحيان ليتعلم الإستقلالية والإعتداد برأيه…طفل يرمي ويكسر ليخبرنا بأنه يبحث عما يسليه ولأنه لا يعرف كيف يسلي نفسه ويحتاج إليك ليتعلم..ويحتاج إليك لتحرص على سلامته.. ويحتاج إليك لتوجهه لا أن تصرخ عليه وتضربه.

قد تظن بأنني أشجع على الفوضي وعدم الإنضباط…حاشا لله.. فموضوع الإنضباط لا يضم تحت مظلته الضرب والعصبية والصراخ…بل هو قائم على متابعة الطفل واهتماماته وتطويرها… فإن كان يحب اللعب بالطين فلما لا نوفر صلصالاً وأوراقاً وألوان.. وإن كان يحب رمي الحجارة لما لا تستبدل ذلك بالكرة.. ولما لا نستخدم كلماتنا لتوجيهه بدلا من أيدينا لتعنيفه؟

لكن تذكروا..هذه الحلول ليست سحرية..فالطفل بطبعه ملول,, لذا علينا متابعته..التحدث عما يؤذيه والبحث عما يسليه..لا لست اقصد بأن تشتري له أغلى الألعاب…فلعبة بسيطة معك مليئة بالتشجيع والحوار الفعال والضحك أفضل من صرف المئات على لعبة مكلفة.. وبما أنك تعي الآن أن الطفل طبعه ملول..فتحسن أساليبك معه لن يمنعه من العبث بما لا يخصه والشجار مع غيره…لماذا؟ لأنه يعيش “طفولته” بشكل طبيعي جداً.. فهل ستعاقبه لكونه “طفلا”؟

IMG_1112

أضف تعليق