كنت بشهري السادس من حملي الثاني,,نهضت من نومي الطويل جدا في فندق صغير بلندن..قلت لزوجي أنني لم أنم هكذا منذ ما يتجاوز العام, تركت بكري عند والدتي وذهبت للمملكة المتحدة لأتمكن من حضور دورة قصيرة , ونمت..ولو لأيام قليلة..أيام قليلة لم أنسى طعهما لليوم..وما زلت أتذكرها رغم مرور 11 عاما عليها..
قرأت كثيراً عن الحمل والولادة ورعاية الطفل منذ أن عرفت أنني سأصبح أماً..لكن في اللحظة التي ولدت فيها بكري, تبخر كل ذلك..فلا علم ولا معرفة ولا التجارب السابقة التي تخوضينها تؤهلك لما هو قادم..ولست أقصد الرعاية فقط..أو سهر الليالي..أو رحلة الرضاعة المتعبة..أو بكاء الطفل المتواصل وكل تلك المراحل التي لا يمكن وصف مدى صعوبتها ..بل أقصد أزمة وجودية أخرى تعتريك أنتِ تحديدا..كأم..
أزمة الهوية..
الأمومة تعني بأن تفقد المرأة في الكثير من الأحيان هويتها..برغبة منها أو رغما عنها..قد تعني بأن تعيش يوميا ولمدة لا تدرك نهايتها مئات الأفكار التي تنتابها, هذه الأفكار عبارة عن هواجس وضغوطات لا يد لها فيها..لكن لا مفر لها منها,
ومع كل ذلك, يتغير تعريفها لذاتها..فلا يبدو بأن هناك مجال لأي تعريف تقرره في الحقيقة..تذوب وتختفي في هويات كثيرة كلها تصب في نفق واحد..هوية الأم المقدسة..هوية الأم المضحية..هوية الأم السوبر البطلة..هوية الأم الأم..هوية الأم المشغولة…وهكذا..
سألتني أحداهن مرة وأنا في خضم ضغوطات كثيرة تحيط بي: إن كنت تمتلكين مصباحا سحريا,,ما الذي ستتمنينه؟ قلت بلا تردد: مساحة خاصة..
نعم هي لحظات جميلة لا تعوض..ممتعة بتفاصيلها..لكنني هنا أتحدث عن جانب مهمل..مدسوس في زاوية معينة,,يكره الجميع ذكره ..
عندما تصبحين أما فلا تملكين الحق في المطالبة بالمساحة الخاصة بك..لأنه وكما نضحك ونحن نذكر تجاربنا المختلفة, فإنه حتى الوقت الذي تقضينه وأنت تنظفين فيه أسنانك تكثر فيها طرقات الباب من أياد صغيرة, ويتشاجر فيها فلان مع فلانة..ويتذكر فلان أنه بحاجة لدورة المياه..
عندما تصبحين أما فأنت تحت المجهر..مجهر يأتيك من أعماقك,, وآخر ممن حولك..مجهر أعماقك يكثر من لومك..ويتقن إشعارك بتأنيب الضمير, ويتفنن في تعطيل أية فرصة نجاة لك من دوامة القلق والبحث عن ذاتك ولو ببعض التفكير في هوية أخرى غير هوية الأم..
ومجهر آخر يكبلك بصورة الأم الحنونة المضحية الملائكية..المضحك في هذا المجهر أنه لا يتوانى عن عقابك عندما تقررين بأن تكوني إنسانة عادية مثل كل من يحيطك..ففي اللحظة التي تصبحين فيه أما فكل إمتياز أو كل هوية أخرى تختفي تلقائيا..
لا اكتب لأنتقد دورا أحببته وقررته عن طيب خاطر,, أكتب لأفكك الخطاب الذي يقولبنا كأمهات في هوية تضيق علينا خيارات السعادة..وخيارات الحياة..أكتب لأنني لست أما ملائكية ولا أود أن اكون كذلك..أكتب للأم التي تغلق على نفسها باب الغرفة لتبكي ..وتمسح دموعها سريعا خوفا من العالم الذي لا يرحمها…أكتب لتلك المرأة التي تخاف جدا من خوض هذه التجربة..
أكتب لأقول أنه من الطبيعي جدا بأن تشعري بأن كل ذلك فوق طاقتك..أكتب لعلني أفتح عيني من يكثر الحكم والتحكم في الأمهات ..أكتب لأطبطب على كتف كل أم ظنت أنها أقل من غيرها لأنها بحثت عن هوياتها الأخرى التي ضاعت وسُحقت في دوامة هوية الأم..أكتب لنا جميعا..