الأمومة

مو وازنِّش- تدوينة في السرديات المحيطة بالأم والأمومة

“مو وازنِّش” جملة من اللهجة العمانية وتنقسم إلى كلمتين:

مو، بمعنى ماذا.

وازنش ، وتخاطب الأنثى “بما أن نهايتها حرف الشين” ويمكن أن نقول وازنِّك بكسر النون وشدها أيضا عند مخاطبة الأنثى ،وتقال بفتح التاء وشدها في حال مخاطبة الذكر.

وكلمة وازنش/وازنك تعني “-ما- أفضى لك بأن تقومي بهذا العمل الشاق/ العمل الذي لا يستحق كل هذا الشقاء.

مو وازنِّش تعني إذاً: ما الذي دعاكِ للقيام بهذا العمل الشاق؟ وتستخدم في حال أن السائل يرى بأن ما تقوم به من عمل لا قيمة له ولا داعٍ.

على كل لا تظنوا أنني بدأت أدون عن اللهجات. لكنني سأحكي لكم عن تأملاتي مع جملة “مو وازنِّش؟”

ربما جملة “مو وازنش؟” ومثيلاتها اللاتي تحمل نفس المعنى من أكثر الجمل التي ترددت على مسمعي مذ أصبحت أماً. ففي وجود هوية الأمومة تصبح كل الهويات الأخرى مجرد إضافات زائدة عن الحاجة والأدهى إضافات مشتتة وربما غير مرغوب بها. الخيارات الأخرى والتي تقع بعيداً عن فلك الأمومة تصنف تلقائيا على أنها خيارات غير مهمة وعلينا التفكير قبل إتخاذها مئة مرة لأنها إن تداخلت بشكل أو بآخر مع الهوية الأولى “الأمومة” ولو بأبسط طريقة فنحن ننتقل للمرحلة الثانية: الملامة وتأنيب من حولك وربما التوبيخ أيضا وفي حالات كثيرة الحرمان ، وبالطبع لا ننسى  تأنيب الذات والذي أسمعه كثيرا من الأمهات اللواتي يعانين منه حتى عند تفكيرهن في قضاء بعض الوقت في العناية بصحتهن.

لذا: مو وازنِّش؟ لا يسوى عليك هذه الخيارات وأنت أم ولك مسؤوليات مفروضة عليك كأم. وبالطبع مع تداخلات الأمرين من أمومة وخياراتك الأخرى فأنت تنتقلين الآن إلى مرحلة المساومة، وهنا أعني أن تختاري أمرا يمنحك بعض القبول هنا وهناك ، أو تتفاوضين على ما يبدو أثره أقل وضوحا ، أو تضطرين بأن تقفي على متفرق طريق يحفظ لك مكانة الأمومة أولا ومن ثم يأتي الباقي تباعاً. لذا فإن كان حلمك بأحد الأيام أن تعملي كممرضة فستختارين أن تعملي من البيت لأنك قد تتكبدين الكثير من الخسائر إن اخترتي ما تريدين بالأصل، لذا تختارين أهون الأمرين لكي تتجنبي كل التبعات التي أنت في غنىً عنها.

في كتاب كيف تلتئم: الأمومة وأشباحها ذكرت الكاتبة إيمان مرسال بأن زوجها وأمام القضاء ‘بدأ يقرأ قائمة بأسماء جليسات الأطفال اللواتي مررن بحياتنا،ثم قائمة بكل ما أنجزته في عملي وثانية بكل الأسفار التي قمت بها،وأخرى بكل الكتب التي قرأتها منذ ولد يوسف منبها الجمهور كيف لأم جيدة أن تنشغل بكل هذه الأشياء إذا لم يكن على حساب طفلها’ فمن الممكن أن تصبح خياراتك الأخرى تهم في نظر الجميع .

ومع المساومة يأتي معها حملٌ عليك تقبله بدون شكوى فأنت اخترتِ هوياتك الأخرى إلى جانب الأمومة ولم يكن عليك فعل ذلك ما دمتِ أماً لأنها “لمن تختار دور الأم” ترفا لا داعي لها ، لذا الفضفضة والشكوى هنا يعتبر خيارا مرفوضا لأن “مو وازنش” تدرسين وأنتِ عندك أبناء؟ أو “مو وازنش” تلبسين فستانا ملونا جميلاً وأنتِ تحملين رضيعا يتقيأ على ثيابك؟ أو “مو وازنش” تشتغلي بدوام رسمي كمُدرسة ومن ثم تتململين أنك لا تقضين وقتاً كافياً مع الأبناء. “مو وازنش” تمارسين الرياضة لساعة و”مو وازنش” تخرجين مع صديقاتك وتبحثين عمن يستطيع أن يهتم بأبناءك لساعة من الزمن؟ و”مو وازنش” تعملين وتتركين أبنائك في حضانة؟ “مو وازنش” تحملين شنطة ناعمة صغيرة إلى جانب شنطة عملية كبيرة تحملين فيها ثياباً إضافية لطفلك وقنينة الحليب؟

الشكوى أو الفضفضة ليست لك ما دمتِ اخترتِ بأن تقومي بأمر آخر إلى جانب دورك كأم. فلست كالبقية بحيث يمكن اعتبار أن العمل أمراً مفروغاً لهم وإن تحدثوا عن ساعات العمل الطويلة والإرهاق فلا بأس بذلك، وحتى قرار الدراسة بالنسبة لهم لهو قرار جيد أما بالنسبة لكِ كأم فهو ترف لا تحتاجينه . وما لا تحتاجينه كأم لا يُعدُ أمراً مهما بل يبدو مضيعة للوقت وجري وراء ما لا يناسبك. فالحاجة لكونك متفرغة تماما للأمومة تأتي أولاً وكل ما يأتي بعده غير مهم.

الخطابات أو السرديات المحيطة بالأم والأمومة تتشابه وندركها كلنا كأمهات ، قد لا تؤثر علي أو عليك لكنها وفي مختلف المراحل تصلنا ونتعايش معها بالكثير من التنازلات والمفاوضات التي قد تحدث بيننا وبين أنفسنا أو بيننا وبين من حولنا سواء بسبب قيود حولنا أو ظروف خارجة عن إرادتنا. قد تكون في مجملها تنازلات بسيطة لم تترك فينا أي أثر وقد تكون عبارة عن تنازلات كبيرة تسببت في فقدان فرص أو محو أهداف كانت لتتحقق بشكل أو بآخر للكثير من النساء اللواتي أخترن أن يصبحن أمهات لكن لم يخترن أن يضحين كلياً عن أحلامهم وأهدافهن الأخرى.

1

الإعلان

4 رأي حول “مو وازنِّش- تدوينة في السرديات المحيطة بالأم والأمومة

  1. حبيت جداً مقالتك طبعا لاني اعيش فالسلطنة على طول جا ببالي صوت ( مو وازنش)
    الملامة تجي للجميع اللي قررت تتفرغ واللي قررت تضيف ادوار اخرى بجانب دورها. النقد مستمر ولكن لو اخترتي بقناعة رح تخف وطأة التعليقات عليكِ ..

    شكرا وسلمت اناملك
    fekrah.om

    Liked by 2 people

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s