اتذكر المقولة “إذا سلمت ناقتي ما علي من رفاقتي” ومن ثم أتذكر أن الواقع في الكثير من الأحيان يعطينا أمثلة حية على اهمية مناقضة هذه المقولة. لأنه علينا أن ندرك أن ما يصيب الغير وما يعنيهم وما يمرون به ويعيشونه سينعكس علينا بشكل مباشر أو غير مباشر كبشر لا نتشارك اسم المدينة أو القبيلة أو الدين أو المذهب فقط بل نتشارك العالم كله . عالم يسمى الآن بالقرية العالمية, وهو كذلك..
في حقبة ما وفي بعض المدن والقرى “بالذات التي لم تكن بحرية بحيث لا تطل على البحر ولا تختلط مع القادمين من البحر” انعزل البشر تماما, رأوا العالم من منظور ضيق, منظور قريتهم أو مدينتهم,, وعاداتهم وألوانهم وألبستهم وطائفتهم الخ.. وفي اللحظة التي اكتشفوا أن العالم أكبر من مجرد محيطهم الصغير,, انبهروا, أو ربما العكس: حاربوا أو واجهوا المختلف بالإقصاء تماما,, فكل مجهول مخيف في معظم الأحيان.
هل من المهم أن ننتقل من مرحلة تعليم أبناءنا كل ما يحتويه المحيط الخاص بهم فقط إلى محيط أكبر؟ لننقلهم من عالم المواطن الذي تم تحديد هويته بجوازه فقط وأصل مولده إلى “الطفل العالمي” المتسامح..
المواطن العالمي والذي يدرك أن ما قد يحدث في أستراليا أو غابات الأمازون أو الصين سيؤثر عليه أو على الأقل على أحفاده يوماً ما.. فكلنا أبناء هذه الأرض. وهذا التأثير ليس بيئيا فقط بل يمتد ليؤثر على ثقافته وسلوكياته وتعامله مع معطيات الحاضر والمستقبل..والأهم قدرته على التعاطف والتسامح وتقدير اختلافات البشر ومن ثم الوعي الكامل بأن هذا الإختلافات ليست مخيفة مثلما رآها أسلافه. ولا تهدد قناعاته.
عندما ننشئ أبنائنا كجزء من هذه المواطنة العالمية فإننا نعلمه التسامح, لأنه يدرك أن الأختلافات شيء طبيعي ومن ثم يحترمها وتثير فضوله للتعلم والإستكشاف أكثر. وعندما يواجه ولأول مرة المختلف عنه لن يشعر بالضغط ليصبح مثله أو ليثبت هويته بل سيدرك أن لكل مجتمع فردانيته وجمالياته. وهذه المعرفة تعطيه تفكيرا ناقداً واعياً. يتفهم أن يختار ما يناسبه ويتخلى عن ما لا يناسبه. والمهم أيضا أن لا يواجه المجتمعات الأخرى بالسخرية منهم والتقليل من شأنهم, وهي ردة فعل يتخذها الكثيرون عند مواجهة ثقافة أخرى.. السخرية وربما التنمر على المختلف والأسوء أن يصل إلى العنف ظناً منه أن كل مختلف هو تهديد مباشر لهويته.
من السهل تنشئة الطفل بوجهة نظر واحدة وبرؤية ضيقة للعالم خاصة في وقت لم نكن نملك فيها وسائل التواصل المختلفة والمتواجدة الآن. وكان من السهل ايضا استعداء كل مختلف وربما السخرية منه والنظر بفوقية عليه. فحتى الجار القادم من قرى آسيا قد يشكل تهديداً مباشراً لمن يرى كل مختلف سيء. بينما كل ما يطالب به ذلك المختلف هو الإحترام والشعور بالآمان لا غير. مثلما نطالب به نحن إن تعرضنا لموقف مشابه.
تنشئة أبنائنا على إدراك أن هذا العالم أكبر من محيط مجتمعه يسهل عليه التعامل مع الغير والإندماج إن اضطر في أي مجتمع بسبب الدراسة مثلا أو العمل. وتسهل عليه فهم التنوع الثقافي والعرقي بكل مكان والأهم تقدير هويته وكل ما يلامسه بشكل مباشر. الإختلاف جمال وإلا لما خلقنا الله بهذا الكم الهائل من التنوع الجميل. وكل ما علينا فعله هو أن ننشئ طفلا محترماً متسامحاً بحيث لا يتفاجئ مستقبلا بحجم الهوى الكبير بينه وبين الغير فيعادي هذا ويكره ذاك. يحتاج عالمنا الكبير للمزيد من التسامح فقد أخذ كفايته من الإستعداء والعنف.
مواطن عالمي داخل وطن لا يعرف معنى للحدود
إعجابإعجاب