تعاملنا مع مشاعر الأبناء مرتبط بسياقنا الثقافي والإجتماعي والإقتصادي. وذلك لا يختلف عن تعاملنا مع طفولتهم ، ففي وضع سياسي/اجتماعي/اقتصادي معين يتم التعامل مع الطفولة كمفهوم غير حقيقي ونعامل الطفل الصغير عندها كشخص بالغ ، مثلا في حالات الحرب أو الفقر ، فيتم عندها تجنيد الأطفال أو تزويج القاصرات ، أو اعتبارهم مصدر دخل إضافي ودفعهم للعمل. وفي سياق آخر ومع الدراسات النفسية والإجتماعية الحديثة ندرك بأن الطفل كائن في طور النمو لكن يفترض بأن نستمع له وأن يكون له وجهة نظر فيما يتعلق به. وأن نمنحه فرصة التعبير عن ذاتهم ،
ولو كان ذلك بمشاعره
المشاعر جزء طبيعي من بشريتنا وإن سألنا أي أحد كبيرا كان أم صغير سيعرف بأن الغضب والحزن والفرح وغيرها مجرد مشاعر يمكن للإنسان بأن يمر بها. لكننا قد ننسى الإعتراف بمشاعر الطفل كشيء حقيقي أو مهم. فنتعامل معها كردة فعل مبالغة. وسأذكر لكم أمثلة بسيطة على ذلك:
- بكاء الرضيع. يلجأ الكثيرون لتجاهل بكاء الطفل لأن البكاء هو طلب اهتمام لا ضرورة له. فهذا الإهتمام يعني بأنه “يتدلع” ولا هو “عادي ممكن يختار يسكت” ،”بس يبغاني بوجهه 24 ساعة”.
- بكاء الولد. بكاء الولد من الممنوعات عند الكثير لأن ذلك يعني أننا نعطيه الفرصة ليصبح “ضعيفاً” و”أقل رجولة” وذلك أمر “ضار وخطير” و”سيؤثر على تركيبته الجسمانية”.
- غضب الأبناء. وهنا “من تظن نفسك يا ولد/بنت لتغضب/ي مني هاه؟”. وقد يكون الغضب مقبولا في سياقات معينة لكنه غير مقبول عندما يتم توجيهه لمن هم أكبر في العمر.
- الحزن. على الطفل أن “يبلع حزنه”، ولا يعني بأننا نقول ذلك بصريح العبارة بل نحرص على أن لا تطول فترة الحزن وعلى أن “يبلعها” الطفل بسرعة بمواساته بكلمات مثل “الموضوع ما يستاهل” أو “أنت زدوتها” أو السخرية من حزنه لعله يتوقف.
وهذه مجرد أمثلة خطرت ببالي الأن لكن هناك المزيد. فموضوع المشاعر حساس جدا، فقد يعني أن يظهر للطفل بمظهر ضعيف هش لا يتناسب مع السلطة المخولة له في سياق اجتماعي معين “الأولاد مثلا عند بكائهم” والذي يرتبط مع الهشاشة وبالتالي الضعف. أو قد يجعلنا نبدو غير قادرين على السيطرة على الأبناء “المدللين” عند إظهارهم غضبهم نحونا. فعلى كل تلك المشاعر أن تدفن في دواخلنا وأن لا نظهرها أو نوجهها إلا بما يتناسب مع الوضع.
نتعامل مع مشاعر الأنباء بشكل متوتر أو متردد أو خائف ، فلا تشعرنا بالإرتياح ونتمنى أن ننتهي منها بسرعة. فنرفضها بإسكات الطفل أو التقليل من شأن مشاعره أو السخرية منها أو تجاهلها تماما وكأنها غير موجودة. فتجاهل الشيء ينقذنا من هم التعامل معهم. ونحن لا نشعر بالراحة في التعامل معها.
ومن ثم نتعامل بالمقابل مع الأبناء بشكل عام بغلظة وجفاء ونيتنا في ذلك أن يصبحوا أقوى لمواجهة الحياة “الصعبة” ، فالحياة ليست سهلة للضعفاء الذين يبكون أو “يزعلون” وعلى الأبناء بالذات الأولاد منهم “الإسترجال” ،فالبكاء من شيم “النساء” والإحتضان والحب “ضياع وقت”. ولهذه التصاريح ضررا كبيرا وليس فقط من ناحية التمييز الواضح فيها ضد النساء والتقليل منهن بوضعهن في قائمة “البكايات العاطفيات”. بل وتصنيف المشاعر الطبيعية الموجودة في كل واحد منا لهدف بأنها “مرفوضة”.
هل عندما نرفض المشاعر تختفي؟ الحقيقة أنها لا تختفي بل تظهر بطرق أخرى أكثر ضررا. وذلك بالمناسبة لا ينطبق فقط على مشاعر الحزن، بل حتى على مشاعر الغضب والقرف والألم والخوف. ردات فعلنا نحو مشاعرهم تحدد نظرتهم لذاتهم وتقبلهم لأنفسهم. ففي اللحظة التي نرفض مشاعر الطفل لأي سبب كان فإننا نرسل له رسالة مفادها أننا نرفض جزءا منه وذلك يعني بأنه سيرفضها بالمقابل أو ينشئ علاقة سيئة معها. وبالتالي يتعامل معها بشكل سيء
في عملية التربية، ننسى توجيه سلوكياتهم ونركز على توجيه مشاعرهم بالطريقة التي تناسبنا فلا نترك لها المجال الطبيعي لتأخذ مجراها. فإن كنا نؤمن أن البكاء ضعف قمعنا تلك المشاعر ، وإن كنا نرى الألم مبالغة كتمنا هذه المشاعر عند الأبناء وهكذا. وننسى كثيرا أن مشاعرنا جزء لا يتجزأ من بشريتنا، وبالتي الإعتراف بها أمر طبيعي فنحن بشر ومن الطبيعي أن نمر بها كلها وإلا لما وجدت فينا. والحقيقة أن تجاهلها لا يعني بأنها ستختفي أو سيتمكن الأبناء من تجاوزها. بل يعني أننا كتمناها ومنعناهم من عيش طبيعة بشرية لذا قد تظهر تلك المشاعر بشكل مختلف وربما ضار. أو قد نجهل التعامل مع أولادنا عندما يمرون بها فيؤثر ذلك على سير علاقتهم معنا ومع غيرهم.
من المهم مساندتهم ليتعلموا بأنها طبيعية ومقبولة ولا ولا تتنافى مع طبيعتهم. وهي حق طبيعي لنا جميعا.
ملاحظة: المزيد عن الموضوع في حلقات بودكاست وعي وتربية مثل الحلقة 25″الغضب” والحلقة 12″لا تبكي” والحلقة 10″نافذة التحمل
المراجع:
file:///C:/Users/User/Downloads/Validating_Young_Childrens_Feelings_and_Experienc.pdf
https://www.verywellfamily.com/discipline-your-childs-behavior-not-the-emotions-1094811